"لكي نهتدي إلى ما يكوّن الهوية الشخصية لابد
لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشخص، فيما أعتقد، كائن مفكر عاقل
قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها
هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو
الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة. وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر،
بل هو، فيما يبدو لي، ضروري وأساسي تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأي كائن
[بشري]، كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك إدراكا فكريا.عندما
نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده، فإنما نعرف
ذلك في حال حدوثه لنا. إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا
الراهنة، وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته، وفي هذه الحالة لا نأخذ
في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهر نفسه أو في جواهر
متنوعة. إذ لما كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كل
واحد هو نفسه، ويتميز به، من ثم، عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون
الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو. وبقدر ما يمتد ذلك
الشعور بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص
وتتسع. فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنما صدر
عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر."
جون لوك، مقالة في الفهم البشري، الكتاب الثاني، فصل 27، فقرة 9 ترجمه إلى الفرنسية كوسط، و نشره إميليان نارت، فران،1994، ص 264- 265
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية