من أسرار السرقات الأدبية

من أسرار السرقات الأدبية
الدكتورة ريمه الخاني
1-معجميا:
سَرِقة: ( إسم )
الجمع : سَرِقات
مصدر سُرِقَ وسرَقَ
السَّرِقةُ ( في الشرع ) : أَخذ مال معين المقدار ، غير مملوك للآخذ ، من حِرز مثلِه خُفية
السَّرِقَةُ الأدَبِيَّةُ : أيْ أنْ يَأْخُذَ شَاعِرٌ أوْ كَاتِبٌ شِعْراً أو نَصّاً لِغَيْرِهِ وَيَنْسُبَهُ لِنَفْسِهِ
2-معرفيا:
يعرفها محمد عزام:(السرقات الشعرية) هي أن يعمد شاعر لاحق، فيأخذ من شعر الشاعر السابق: بيتاً شعرياً، أو شطر بيت، أو صورة فنية، أو حتى معنى ما …[1]
سرقة أدبيّة : استخدام أو إعادة نشر مطبوعات محفوظة الحقوق أو الموادّ المسجّلة البراءة على نحو غير مصرّح به[2]
ولم يبعد النقاد العرب القدامى عن هذا الأصل اللغوي لمصطلح السرقة في سياق تحديداتهم الاصطلاحية لمفهوم السرقة الشعرية إلا في أنهم قد تلطفوا في هذا التصرف الأدبي " فعبروا عن السرقة كثيرا بلفظ الأخذ، وبينوا أحيانا ما للسابق من فضل في اختراع المعنى ، ثم أخذ اللاحق له، إما مع اللفظ أو بعضه.[3]
مصطلح سرقة ,مصطلح قديم لم يخل مجال منه, لكنه ادبيا معيب وفيه آراء مختلفة حوله ,منهم من يجعله مشروعا عبر فكرة التخاطر, ومنه من يجعله محرما عندما يكون متعمدا: يقول ابن رشيق الذي شرح مصطلح السرقة بتركيز:
ذكر ابن رشيق في مستهل حديثه في هذا الباب أن السرقات «باب متسع جداً لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه، وفيه أشياء غامضة إلا على البصير الحاذق بالصناعة، وأُخَر فاضحة لا تخفى على الجاهل المغفل».
فالملاحظ في قول الجرجاني أنه يفرّق بين السرقة وبين المصطلحات الأخرى كالغصب والإغارة والاختلاس وغيرها، ولكنه مع هذا متأثر بالمعاني الأخلاقية واللغوية والاجتماعية لهذه المصطلحات؛ وهذا ما أدى بالنقاد إلى أن يقوموا بدور القضاة أحياناً في تناولهم لهذا الموضوع الأدبي النقدي أولاً وأخيراً.
ينقل رأي بعضهم في أن السرق يقع في البديع المخترع الذي يختص به هذا الشاعر أو ذاك، وليس في المعاني المشتركة كثيرة الدوران في الأدب، وهو رأي تردد كثيراً في كتب النقد العربي القديم. وينقل المؤلف رأياً حصيفاً في هذه المسألة، مفاده أن اتكال الشاعر على السرقة بلادة وعجز، وأن تركه كل معنى سبق إليه جهل، ولكن عليه أن يسلك أوسط الحالات، بيد أن معنى السرقة في هذا الرأي يقترب كثيراً من معنى التقليد الذي يعد مشروعاً والعبرة في مدى ممارسته بين التقليد المحض وبين التأثر الإيجابي غير المباشر.[4]
يقول الأستاذ  مراد حسن فطوم حول السرقات الادبية:
تعد مشكلة السرقات الأدبية من القضايا التي أثرت بوضوح في  الحكم الأدبي, وكتب حولها الكثير من الكتب؟, من خلال تتبع المعاني وأصولها عند الشعراء وذلك حوالي القرن الرابع الهجري.
لقد اختلف رأي النقاد في السرقة, فبعضهم ذمها وأباح المعنى لهم, مثل ابن طباطبا العلوي, بل إنه يثبت المعنى للأخذ إذا كان محسنا ومجودا أكثر من الشاعر السابق.
كقول ابن نواس:
وإن جرت الألفاظ منا بمدحه=لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني
أخذه من الاحوص حيث قال:
متى ما أقل في آخر الدهر مدحه=فما هي إلا لابن ليلى المكرم[5]
وهو هنا يطلب من الشاعر أن يحسن صناعته ,ويخفي سرقته,  فيحور المعاني وقد أيد ذلك ابو بكر الصولي :إن من ياخذ المعنى ويتصرف به ويحشنه ,يكون اولى بالمعنى واحق به.
وقد كان لقانون السرقة الاسبقية في تشريعها, حيث لم يضع الفارق الزمني والأسبقية الفضل, ولم بكن ؟أكثر من أبي تمام اقتباسا وسرقة للمعاني بتحوير حصيف مبدع.
وقد كان لرأي  الصاحب بن عباد   في تصنيف الآراء الفضل في العدالة ,فقد قال:
إن العيب ليس في السرقة ذاتها بل في إنكاره لها وفضل السابقين للمعاني, ويعاب أيضا أخذه من المحدثين ثم إنكاره لمعرفته بهم!, لكن رأيا آخر قال:
إن السرقات تذهب بالشعر والشاعر معا.
ويمثل الحاتمي هذا الاتجاه, فأجحف بحق المتبني وأجهز على شعره لدرجة لا يترك له فضلا في شعر قاله, وأنه أنكر السرقة تماما, ولقد ركز الآمدي على السرقات عند أبي تمام, والبحتري واعتبرت هذه مقياسا للجودة والمقارنة.
لكن أبو هلال العسكري يرى انه ليست كل السرقات مذمومة بقدر مالها معيارها: فمنهم يأخذ المعنى كله, ومنه بجل لفظه, ومنهم بعرض المعنى الجميل في معرض مستهجن, فأخذ البين الواضح بإخفائه, والموجز المختصر بإطالته من غير زيادة في معناه.
وتبلغ هذه النظرة نضجها عند ابن وكيع التنيسي: فهو يجعل المعنى للمتقدم من الشعراء, فإما يتقدم السارق على المسروق منه, أو أن يكون قد اخذه ممقوتها ومسيئا للمعنى, ويضع صفات لحسن الأخذ وهي عشرة أوجه:
1- استيفاء اللفظ الطويل في الموجز القليل.
2- نقل اللفظ الرذل إلى الرصين الجزل.
3- نقل ما قبح مبناه دون معناه إلى ما حسن مبناه ومعناه.
4-عكس ما يصير بالعكس ثناء بعد ان كان هجاء.
5- استخراج معنى من معنى احتذي عليه وإن فرق ما قصد به توليد معان مستحسنات في ألفاظ مختلفات.
6-توليد الكلام من كلام لفظهما مفترق ومعناهما متفق.
7- توليد معان مستحسنات في ألفاظ مختلفات.
8- مساواة الآخذ المأخوذ منه في الكلام حتى لا يزيد نظام على نظام.
9-مماثلة السارق المسروق منه في كلامه بزيادة في المعنى ما هو من تمامه.
10-رجحان السارق على المسروق منه بزيادة لفظة على لفظ من أخذ عنه.
هي عشر صفات مذمومة في الأشعار.
ويعتبر عبد القاهر الجرجاني خير من تكلم عن السرقة ,فقد كانت عند ابن طباطبا فق مرتبة لإحسان للمعاني  فلا يصنف سرقة, اما الجرجاني فقال: والسرق ايدك الله داء قديم, وعيب عتيق ثم تسبّب المحدثون إلى إخفائه بالنقل والقلب, ، فقد جاء بها في باب حسن الأخذ, وقد وردت قضية السرقات في العمدة في قول ابن رشيق "وهذا باب متسع جدا قدمنا شذرة منه. لا يدخل في باب الأخذ، وإنما يقع الغلط من بعض من لا يحسن التحصيل، ولا ينعم التأمل...."[19] وبهذا يفرق عبد القاهر بين الاتفاق في المعاني العامة وبين السرقة التي اقترح لها أكثر من مسمى منها ( الأخذ , الاستمداد , الاستعانة ) .
ويعد ابن الأثير أكثر من فصل الحديث في السرقات في كتابه المثل السائر حين كتب بابا في السرقات الشعرية , ومن ثم أقسام السرقات الشعرية" وقسمه إلى ثلاثة أقسام: نسخا، وسلخا، ومسخا.
أما النسخ فهو: أخذ اللفظ والمعنى برمته، من غير زيادة عليه، مأخوذا ذلك من نسخ الكتاب.
وأما السلخ فهو: أخذ بعض المعنى مأخوذا ذلك من سلخ الجلد الذي هو بعض الجسم المسلوخ .
وأما المسخ فهو: إحالة المعنى إلى ما دونه، مأخوذا ذلك من مسخ الآدميين قردة.
وههنا قسمان آخران أخللت بذكرهما في الكتاب الذي ألفته، فأحدهما أخذ المعنى مع الزيادة عليه، والآخر عكس المعنى إلى ضده، وهذان القسمان ليسا بنسخ ولا سلخ ولا مسخ.[6]
/ إن مصطلح السرقات قد ارتبط لدى الدارس العربي القديم أولا بقيمة أخلاقية، ومن ثم فنية، بينما التناص في الدراسة الحديثة يعد تقنية فنية خالصة، ولعل النقاد العرب القدماء قد فضلوا مصطلح السرقة لوقوعه العميق في مساحة التعبير الحقيقية لمفهوم التأثر والتأثير الذي كان يحمل معه شيئا من الإدانة.
ورغم هذا لا نجد معيارا حاسما يجمع  فيه الباحث ما سبقه من آراء ويجعل لها حكما وقانونا وحسما, وخاصة اهمية تفريقه عن التناص الذي يعتبر تقريبا أقرب للتخاطر إن لم يكن  فيه تشابه كبير.
يتبع
ريمه الخاني
27-2-2014
3-السرقات تاريخيا:
لقد بدأ البحث جديا حول كلمة سرقات في أواخر القرن الثاني الهجري وبداية الثالث, وقد شغلت النقاد أولا عند بداية بزوغ ما يسمى نقد, وجرى لها تصنيف خاص, تجلى في مؤلفاتهم مثال: كتاب السرقات الشعرية و ما تفقوا عليه لابن السكيت 243 وكتاب إغارة كثير على الشعراء للزبير بن بكر 256 وكتاب سرقات البحتري من أبي تمام وكتاب سرقات الشعراء لأحمد بن أبي طاهر طيفور 280 .
وقد قال الجاحظ في كتبه رغم اعتماده في نقده على الشكل والنظم, بأن هناك معان لا تسرق, اي أن السر في المعنى,  فهل هذا تناقض لديه؟ بين عنايته بالشكل وعوزه لتقييم المعنى, وأحضر أبياتا لعنترة:
جادت عليها كل عين ثرة=فتركن كل حديقة كالدرهم
فترى الذباب يغني وحده=هزجا كفعل الشارب المترنم
غردا يحك ذراعه بذراعه= فعل المكب على الزناد الأجذم
وفي القرن الرابع ركز النقاد على عنصر التشبيه, وأفردت لهذا البديع كتب هامة, أخدت النقاد بصورها كل مأخذ مثال:
روائع التوجيهات في بدائع التشبيهات لنصر بن يعقوب , و كتابه أيضا  ثمار الأنس في تشبيهات الفرس , وقد كانت الصورة الأدبية تشكل الذوق العام حينها ويقيم العمل على أساس ذلك, ومنه ألفت كتب حول أبي تمام والبحتري والمتنبي وعن سرقاتهم, وغيرهم مثل  :كتاب سرقات أبي نواس لمهلهل بن يموت  بن المزرع 334 وكتاب عام في السرقات لجعفر ابن حمدان الموصلي 323 ولعل كتب السرقات قد طغت على معظم المؤلفات.[7]
تقول الدكتورة وديعة طه نجم حول قضية  السرقات عند النفاد العرب قديما:
لقد أولع النقاد العرب القدماء بموضوع السرقات الأدبية الشعرية ولوعا جعلهم يفردون لهذه السرقات فصولا خاصة مطولة في كتبهم, بل في كتب متخصصة يتتبعون فيها بكل عناية وتدقيق موضوع الساق والمسروق.[8]
ونظن أنه لولا الحاجة لهذا  من قبل النقاد لمعرفة المعنى البكر ,لما ظهرت على السطح هذا أولا , وثانيا وكما قالت الدكتورة:
هي كناية عن صراعات فردية وتهم يقاذفونها  آنئذ, كتهمة الزندقة والهرطقة بين أصحاب المذاهب المختلفة, حتى ان الآمدي عاب على أبو تمام ثقافته الواسعة التي ألهمته السرقة, فهل هناك تعدي في عالم السرقات الصقت خطأ؟.
مثال:
قال مسلم بن الوليد:
فلما انتضى الليل الصباح وصلته=بحاشية من لونه المتورد
أخذه أبو تمام:
حطت على قبة الاسلام أرحله=والشمس قد نفضت ورسا من الأُصل ِ
لكن الآمدي ما يلبث أن يصحح خطأ القائل بهذه السرقة بغير وجه حق فيقول:
هذا ما ذكره ابن منجم, فيتبادر للذهن أنه يبرئ ساحة أبي تمام فيعود فيقول أنه يظن أنه أخذه من قول الآخر:
والشمس صفراء=كلون الورس
وكأنه تشبيه لون الشمس بلون الورس هو الشعر كل الشعر , كأن ليس لأبي تمام أي فضل غير أنه شبه الشمس بلون الورس!!!
ولعل تعالي المتنبي سببت له تتبع سرقاته فخرجت كتب حول ذلك في القرن الخامس مثال:
العميدي وكتابه الإبانة عن سرقات المتنبي لفظا ومعنى وللحاتمي :معاصر المتنبي المتألب عليه, وفيه يسفه شعره سميت إحدى الرسائل فيه: وهذا غير الاتهامات الرسالة الموضحة في ذكر سرقات أبي الطيب المتنبي وساقط شعره.
هذا بصرف النظر عن الاتهامات التي كيلت على أبي نواس وشعراء الخمريات مثل الأعشى والوليد بن يزيد وغيرهما.
ومايثبت التهمة على أبي نواس تحديه بشعره من يناجزه:
أنشد الحسين بن الضحاك أبا نواس :
وشاطري اللسان مختلق التكـ=ريه شاب المجون بالنسك
حتى بلغت قولي:
كأنما نصب كأسه قمر=يكرع في بعض أنجم الفلك
قال فأنشدني  أبو نواس بعد أيام لنفسه:
إذا عب فيها شارب القوم خلته=يقبل في داج من الليل كوكبا.
قال فقلت له , يا أبا علي هذه مصالته(والمصالة هي أن يأخذ الشاعر بيتا لغيره لفظا ومعنى).
فقال لي : أتظن أنه يروى لك في الخمر معنى جيد وأنا حي؟ هكذا يكابر أبو نواس ويعبث وينتهي إلى انتزاع الصورة التي جاءت في قول الحسين.
(يكرع في بعض أنجم الفلك فيجعلها في بيته: يقبل في داج من الليل كوكبا).[9]
ويتحداه مادام حيا, لثقته بصيته وشهرته.
إنها سرقة علنية واعتراف بها...
غير ان السرقات في العصور التالية والحديثة لم تكن علنية بقدر ما كانت سرقة بسابق الإصرار والترصد ولا بغرض التحي بقدر السرقة الكاملة لنص كامل...خاصة من شعراء جدد  او كتاب جدد لا يجدون غضاضة في الاتهام والدفاع الفاشل.[10]
لقد ترادفت مع مصطلح "تناص" يقول الدكتور أحمد علي محمد:
إن التناص علاقة ظاهرة وخفية، تعمل على بناء النص وتكوينه، وهو أشبه بقالب أو منوال ينسج الشاعر اللاحق شعره بما يوافق نسج شاعر سبقه، بمعنى آخر هنالك جانب في التناص يقرب من مفهوم الاحتذاء الذي يظهر في التشكيلات النصية كما يبرز في الأساليب ، حتى أمكن تمييز مدارس أدبية في هذا الباب ، كما هو الشأن في المدرسة الأوسية قديماً ومدرسة أبولو حديثاً، إذ تلتقي نصوص الشعراء في هذه المدارس بأكثر من جانب منها ما هو أسلوبي ومنها ما هو مضموني .[11]
هذا يعني ان التناص يختلف عن السرقة بأنها امتصاص لنص ما وإخراجه متطورا ومجددا.يقول الدكتور احمد هنا:
ثمة خلافـاً بين السرقات والتناص أظهرها أن السرقات ليست مكوناً نصياً ، فنحن عملياً حين نكتشف السرقة في نص من النصوص نرد المعنى المسروق إلى سياقه الحقيقي ، بمعنى أن ضبط السرقة يستوجب إرجاع المسروق إلى صاحبه ، وهو أمر جرت عليه مباحث السرقات الأدبية في النقد العربي عامة ، في حين أن الأمر مختلف في موضوع التناص ، ذلك لأنه معيار من معايير النص المنجز ، ومكون من مكوناته الحقيقية
والجدير بالذكر ان مصطلح "التلاص الذي ظهر مؤخرا هو مصطلح جديد أقرب للسرقة منه للا قتباس نجده في مجالات اخرى في الجامعات في عالم يفضح السرقة بقوة عندما ينتحل النص آخر يغتصبه خفية دون رادع ولا مانع., وربما هذا له ساحته البعيدة عن مجال بحثنا هذا.[12]
تعرف الأديبة والناقدة :فاطمة الشيدي التناص: هو عملية تفاعل النصوص وتداخلها ,وثمة نوعيات للتناص ,ومستويات مختلفة ,انطلاقا من كونه مكونا من مكونات البناء والاشتغال النصي, وهو يسعف الرؤية على قابليات البلاغة والإبلاغية في آن معا,و التناص في أفضل حالاته اشتغال استعاري في بناء النص, يتسم بالعمق الثقافي والفكري والمعرفي في صوغ القيم والأغراض في مداها الاجتماعي والتاريخي ,وقد يكون في الشخصيات :الاسم/القول: أو في الصلة الثقافية: الإحالة أو الإشارة إلى قضية أو موضوع أو مناخ ,وبذلك فالتناص علاقة تحديث النص ,وسبيل لإغناء الموقف الثقافي بالحس التاريخي الاجتماعية والإنسانية.[13]
يقول الدكتور بوبكر جيلالي حول السرقة الأدبية:
السرقة لدى عامة الناس سلوك إجرامي يُعاقب عليه القانون لأنّه ألحق ضررا بالغير، والسرقة في الفكر والأدب والعلم -النحل والانتحال في الفكر والعلم- سلوك أكثر جرما لأنه ألحق ضررا بالغير وجاء ممن هو نموذج في الصدق والأمانة والإخلاص، فالسرقة لدى أهل الفكر سرقتان السطو على مادة الغير الفكرية والعلمية والأدبية والإجرام في حق مكارم الأخلاق بانتهاج سبيل الحيلة والمكر والخداع، والعقوبة تكون أكبر للجريمتين، ولكون المجرم واعيا عالما بمخاطر جرمه على نفسه وعلى غيره، والسرقات الفكرية تتعدد بتعدد مظاهر الثقافة وتعدد مجالات الفكر والعلم والتقنية، والسرقات الفكرية مستويات مستوى النص في الشكل والمحتوى ومستوى المحتوى مع تغيير مبنى النص ومستوى الموضوع ومستوى المنهج وتتعدد المستويات بتعدد المواد الفكرية المسروقة، وتجري هذه السرقات بطرق ووسائل متعدد ومتطورة جدا، خاصة بعد تطور وسائل البحث العلمي ووسائل التعليم والتثقيف والمثاقفة، ووسائل التواصل والإعلام والإشهار، كل هذا زاد في تطوير السرقات الفكرية، ففي البحوث والدراسات الأكاديمية الجامعية في مختلف بلدان العالم يسجل سنويا عدد معتبر من السرقات، خاصة في بلدان العالم الثالث والبلاد العربية والإسلامية، وظاهرة السرقات الفكرية والأدبية في بلادنا تعكس قمة التخلف في عالم الفكر والعلم والثقافة، هذا العالم الذي يعول عليه في النهوض بالأمة مما هي فيه نحو الإبداع والتطور والازدهار، فكيف تنهض الأمة بالإجرام الفكري والثقافي إن لم تنهض بدونه؟[14]
********
ما هو مفهوم النزاهة الفكرية بالمقابل؟:
ما النزاهة الفكرية؟
معجميا:
ورجل نَزْهُ الخُلُقِ ونَزِهُهُ ونازِهُ النَّفْس: عفيف مْتكَرِّمٌ يَحُلُّ وحْدَهُ ولا يخالط البيوت بنفسه ولا ماله، والجمع نُزَهاءُ ونَزِهُونَ ونِزَاهٌ، والاسم النَّزْهُ والنَّزاهةُ.
ونَزَّهَ نفْسَه عن القبيح: نَحّاها.
ونزَّهَ الرجلَ: باعده عن القبيح.
والنَّزاهةُ: البعد عن السوء.[15]
إنها ليست أمنية تتمنى: ولا رغبة متموجة أو متقلبة: تنشط حيناً، وتكسل وتخمد أحياناً: بحسب الحالة النفسية السائدة في لحظة معينة.. إنما (النزاهة الفكرية) هي: اختيار المنهج بعلم، ثم التزامه في الرصد والتحليل والاستنتاج.. وفي (التعبير) كذلك.. والمنهج هو:
1 ـ بناء التفكير على (قواعد) واضحة مستقرة: يطّرد التزامها، أي لا يحصل لها تعطيل، ولا يقع فيها انتقاء ولا استثناء.
2 ـ مجاهدة النفس: ابتغاء التحرر من آفتي الفكر العاتيتين الماحقتين وهما آفة (الظن) أو ضآلة الحصيلة العلمية المعرفية.. وآفة (الهوى). فكثير من الناس (من الذين يشتغلون بالثقافة والفكر مع الأسف) يهجمون على القضايا والموضوعات بلا معرفة حقيقية، وبعضهم قد يكون معه قدر من المعرفة، بيد أن آفة الهوى تلتوي بصاحبها التواء يفسد ما معه من معرفة.. هاتان الآفتان أو العلتان هما مصدر الفساد الفكري دوما، ولذلك جاء في التنزيل: «ان يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس».. إن وجود التنوع أو الخلاف الفكري لا يمثل ـ في ذاته ـ أزمة، وفي الهوى الذي يحمل صاحبه على تحويل الخلاف الفكري إلى حرب تجعل الأفكار (قنابل)، وخطوط الحوار (أسلاكا شائكة).
3 ـ الالتزام بـ (الموضوعية)، أي بالقضية المطروحة للبحث والمناقشة، فإن التركيز على الموضوع نفسه: لا يفسح المجال لسلبيات غير موضوعية.. ما معنى.. ما مقضي إقحام كلمات نابية في خلاف موضوعي
4 ـ الأسلوب المهذب أو التعبير العف، فإن الفكر المعرفي الأصيل الجميل لا يُخدم بالسباب، وكأي من كاتب. من عالم، من مثقف شوه الحقيقة التي يعرفها ويعرضها: بأسلوب يصد، ولا يجذب، وبتعبير لا يوفر الهدوء العلمي، ولا المناخ المناسب.
5 ـ الاجتهاد المثابر المستبصر في تطبيق (المعرفة العلمية) في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية أو حتى . فاستصحاب هذا المنهج العلمي في هذا الحقل يحقق مقادير عالية من (النزاهة الفكرية)، بمعنى انه يورث صاحبه تحررا نبيلا من الهوى والتحيز والتعصب..[16]
لقد اعترف الباحث :السيد محمد العوامي :أن السرقات الادبية والشعرية منها ظاهرة قديمة حديثة لم تتوقف أبدا ويتخذ لها العذر من أنه أمر تخاطري عموما, وإبداعي خصوصا  فيقول:
بعد هذا هل يمكن القول بأن لدى شعراء هذا العصر إبداعٌ خارج عن الموارد التي ذكرنا؟ لا أظن أن بالإمكان إخراج الشعر المعاصر منها إلا إذا قطعنا صلته بالحياة. أما إذا اعترفنا بأن الشعر، كغيره من الفنون الإنسانية، نَتاج مؤثِّرات ثقافية متراكمة تكوَّنت لدى الشاعر بفعل احتكاكه بعوامل التأثير في بيئته ومحيطه، فمن الطبعي أن تتمازج ثقافات الشعراء بقدر ما يتاح لهم من اطلاع بعضهم على نتاج البعض الآخر. من هنا تأتي صعوبة التسليم بخلو مصطلحي «الإبداع، والتناص» من التحفُّظ، ويكون من الإسراف في التجني اتهام أي شاعر بالسرقة ما لم نقم بدراسة الشعر دراسة متأنية متوخين تطبيق القواعد النقدية التي ذكرنا، أو أن نكون قد غضضنا الطرف عن مسلمة ثابتة مؤداها أن الثقافة الإنسانية أشبه بالنهر يستقي من روافد متعددة متصلة متشابكة، وبموجب هذه المسلَّمة تكون ثقافة الشاعر مزيجًا من ثقافات متعددة لا بدَّ أن تُستدعى عفو الخاطر لحظة مخاض القصيدة شاء الشاعر أم لم يشأ، ولعل هذا هو السر الذي تنبه إليه النقاد القدماء من مسألة السرقة في الشعر، وأغفله، وما يزال، كثير من المتأدبة المحدثين.[17]
على أن القدماء وضعوا قواعد للسرقة ليكون الامر دقيق فحصرها بالتالي:
القواعد والشروط التي وضعها القدماء لتمييز السرقة الأدبية هي قواعد وشروط متزنة واقعية يمكن وصفها بالعدل والإنصاف، وبموجبها يبرئون اللاحق من تهمة السرقة من السابق:
المشتركات, المرئيات, اتحاد الموضوع, الإحسان, الإضافة, النقض, توارد الخواطر, الاستبطان, التوليد, الالتقاط, التضمين.[18]
يقول حول ذلك الدكتور :عبد الكريم الأشتر:[19]
كان للسرقات في التراث العربي الدور الأول في سبق النقد التطبيقي في تراثنا النقدي, وتهيئته لنشوء النقد النظري.
هذا يوحي لنا من ان كل مستحدث في عالم الأب جوره في الاستثمار لصالح النظريات الأدبية ومنها النقد خاصة, فأين المدعين الذين ينفون وجود مدرسة نقدية عربية؟, وإن كان هناك تطورات هامة وإضافات غربية فهذه قيمة مضافة لا جديد تأسيسي.
نستخلص مما مضى، ان امر السرقات الادبية ليس جديدا بل بات متجددا بتنوع وتجدد الطرق والدروب إليها، ولكن اولا واخصرا ومهما طال الزمن، لا يصح إلا الصحيح ، ومزيدا من حرص صاحب القلم لا يضير فقانون الادب لا يحمي المغفلين أيضا.
ريمه الخاني 10-9-2014

الهوامش


[5]  راجع كتاب: التلق في النقد العربي للمؤلف المذكور.
[7]  من كتاب تاريخ النقد العربي للدكتور إحسان عباس بتصرف.
[8] راجع مجلة العربي العدد 350 يناير 1988 م ص 80 دراسة باسم: طرائف في السرقات الشعرية للدكتورة المذكورة.
[9]  المصدر السابق من مجلة العربي.
[10]  راجع هذا الرابط من منتدى فرسان الثقافة والباب الخاص في الإعلان عنها لحفظ الحقوق:

[12]  لمعرفة المزيد عن هذا الموضع الخطير انظر مجلة العربية العدد 422 مقال: الأمانه العلمية وفيروس التلاص العلمي. د.داليا فهمي السيد –مصر. ص 56-67
[13] من كتاب: المعنى خارج النص للكاتبة .
[15]  لسان العرب.
[16]  المصدر: مقتبس بتصرف

[18]  المصدر السابق للدكتور السيد, ونجده في كتاب تاريخ النقد الأدبي عند العرب, للدكتور :إحسان عباس.
[19] انظر إلى كتابه : مراجعات نقدية, وهو إضافة هامة لعالم النقد.

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس